- قصصنا
- قصصنا الحوارية
- مكافحة خطاب الكراهية محور تركيز الجولة الأولى من المشاريع الحوارية
مكافحة خطاب الكراهية محور تركيز الجولة الأولى من المشاريع الحوارية
عندما ضربت جائحة "كوفيد-19" الأردن في عام 2020، علمت الدكتورة رانيا الأيوبي أن الصعوبات والتوترات التي أحدثتها الجائحة ستكون بيئة خصبة لانتشار الكراهية، ما لم تُضمن الاستجابة السريعة والبنَّاءة للمسألة من أجل دعم التماسك الاجتماعي.
ولهذا السبب، قررت زميلة مركز الحوار العالمي "كايسيد" السابقة والعضوة الحالية في مشروع "هي للحوار" الخاص بالمركز أن تشارك مهاراتها ومعارفها في مجال بناء القدرات والتفكير الإبداعي مع أشخاص من خلفيات متنوعة، حتى يصبحوا "مواطنين نشطين" في مكافحة خطاب الكراهية.
وقد زودت مبادرة "التانغرام Tangram"، التي نفذتها الأيوبي بالتعاون الوثيق مع وزارة التربية والتعليم الأردنية، ما لا يقل عن 3000 شخص بألعاب وتدريبات، ومنهم معلمو المدارس وممثلو المنظمات غير الحكومية والقيادات الدينية والأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 أعوام و12 عامًا. واستنادًا إلى تقديرات المنظمين، فإن العدد الحقيقي للأشخاص الذين استفادوا من المشروع استفادة فورية أو غير فورية لا يقل عن الضعف؛ إذ كان جزء من أهدافه بناء القدرات ومهارات الاتصال للمشاركين لكي يتمكنوا من نشر الوعي حتى خارج إطار المشروع.
وكان مشروع الأيوبي واحدًا من 60 مبادرة نُفذت في العام الماضي بدعم من كايسيد في إطار برنامجه #مشاريع حوارية. ومن بين جميع المقترحات، فقد ركزت 25 مبادرة على مكافحة خطاب الكراهية ونُفذت في مصر ولبنان وموريتانيا والمغرب والسودان وتونس.
ثم إن برنامج #مشاريع حوارية، الذي يستعد لبدء جولته الثانية في عام 2021، يعد جزءًا من برنامج كايسيد الخاص بالمنطقة العربية المدعوم من منصة الحوار والتعاون بين القيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة في العالم العربي (IPDC). ويرمي هذا المشروع إلى دعم ممارسي الحوار في مختلِف البلدان العربية بغية تعزيز التماسك الاجتماعي، ومكافحة خطاب الكراهية من بين موضوعاته الأساسية، إلى جانب تعزيز الحوار من أجل المواطنة المشتركة وتعبئة الشبكات الدينية كي تستجيب استجابة موحَّدة لجائحة "كوفيد-19". وقال وسيم حداد، مدير البرامج في المنطقة العربية:
"لقد بدأ كل شيء في عام 2019، عندما نظمنا في فيينا بالنمسا المؤتمر العالمي "دور الدين والإعلام والسياسات في مناهضة خطاب الكراهية".
وفي إطار منصتنا، كان لدينا قيادات ومؤسسات دينية متنوعة من عدة بلدان عربية وكنا نعلم أننا في حال أردنا أن نعمل معًا على تعزيز التعايش السلمي والمواطنة المشتركة واحترام الآخرين في هذه المنطقة، فإن خطاب الكراهية سيكون عقبة كبيرة أمام غاياتنا. وعليه، فقد قررنا دعم المجتمع المدني ومؤسسات القيم الدينية وصانعي السياسات، فضلًا عن إشراك الأفراد بنشاط في كفاحهم لمواجهة خطاب الكراهية ومنعه.
التركيز على التنوع
وقالت الأستاذة سميرة لوكا، عضوة منصة الحوار والتعاون في المنطقة العربية وكبيرة مديري الحوار في الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية (CEOSS)، إن خطاب الكراهية واسع الانتشار في العالم العربي "وقد يصيب الناس على أساس جنسهم أو خلفيتهم الاجتماعية أو على أساس دينهم أيضًا".
ووفقًا لما ذكرته لوكا، فإنه من الصعب القضاء على خطاب الكراهية الذي يستهدف الناس بناء على إيمانهم تحديدًا. ولهذا، فقد كانت جلساتُ الحوار التي شملت مشاركين من خلفيات دينية ووطنية مختلفة حاسمةً في نجاح معظم المشاريع الحوارية المناهضة للكراهية.
وقالت الأيوبي بدورها: "لقد حاولنا تغطية كل المكونات المتنوعة في السياق الأردني؛ إذ كان المسلمون والمسيحيون من بين المشاركين، فضلًا عن أشخاص ينتمون إلى مجتمعات دينية أخرى. ثم إننا نظمنا دورات تدريبية في العاصمة عمان وفي مدن أخرى لضمان اللامركزية، وغطينا أيضًا عددًا من الجنسيات المختلفة".
وفي العراق، تمكن مشروع آخر ركز على مكافحة خطاب الكراهية من دعم المشاركين من المكونات الدينية التي يستهدفها العنف الطائفي والتمييز منصة آمنة للحوار والتفاعل مع أفراد المجتمعات المحلية الأخرى.
وضمَّت "مجموعة التنوع العراقية"، بتنسيق من مدرب التنمية البشرية اليزيدي ساهر ميرزا درويش، 40 مشاركًا من المجتمعات المسلمة والمسيحية واليزيدية اجتمعوا معًا في أربع مدن مختلفة لمناقشة خطاب الكراهية والمفاهيم الخاطئة عن الدين.
وفي حين كانت بعض المشاريع الحوارية تُدار محليًّا، كان لبعضها الآخر نطاق أوسع، مثل مشروع "نحو الحوار" الذي أطلقه أربعة أصدقاء من مصر والجزائر ولبنان والمغرب وتضمن ست ندوات حوارية عبر الإنترنت مع متحاورين من الأردن والعراق ولبنان وفلسطين وسوريا. ولعزمهم على تعزيز الحوار بين أتباع الأديان ومكافحة خطاب الكراهية بجعل صداقتهم مثالًا يقتدى به، تمكن المنظمون الذين ينحدرون من خلفيات مسلمة ومسيحية من إنتاج سلسلة من ستة مقاطع مصوَّرة ونشروها على اليوتيوب.
وترى لوكا أن إيجاد وسائل جديدة وحديثة لمكافحة خطاب الكراهية أمر حاسم من أجل إشراك الأجيال الشابة وتوسيع نطاق حملات التوعية.
استخدام القوة الناعمة
وأضافت قائلة: "أنت بحاجة إلى إيجاد الطرائق الصحيحة للوصول بفاعلية إلى شرائحَ مختلفة، فبعض الناس يحبون المشاركة في المؤتمرات والمناقشات الدينية، ويمكن الوصول إلى بعضهم الآخر باستخدام القوة الناعمة، مثل وسائل الإعلام والمسرح والرسوم المتحركة وحتى الأغاني. ويمكن أن يساعدك كل ذلك على الوصول إلى مختلِف القطاعات وشتى المجموعات، لأن الشباب لا يتوقون كثيرًا إلى الجلوس والاستماع إلى الآخرين طَوال الوقت، بل إنهم يفضلون العمل الفعلي الذي يثري معارفهم".
وإذ تعد المنصات الإلكترونية، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، من أكثر الأدوات الفاعلة المستخدمة للوصول إلى أوسع جمهور ممكن، فإن فاعليتها في مكافحة خطاب الكراهية تكمن أيضًا في أنها غالبًا ما تُستخدم لنشر الكراهية. وتابعت لوكا حديثها قائلة:
"إن المسؤولين عن انتشار خطاب الكراهية يستخدمون نفس الأدوات التي يستخدمها من يكافحونه. ولأن هذه الوسائل متاحة، ينبغي استخدامها لتطبيق تقنيات مختلفة وإشراك المزيد من الناس. ثم إن استعمال الأسلحة ذاتها التي يستخدمها عدوكم، إن صحت تسميته بهذا الاسم، يمكن أن يكون فعالًا جدًّا".
وإلى جانب ما سبق، فقد استخدم اثنان من أصحاب المشاريع الاجتماعية الشباب في لبنان الحملات الإلكترونية في مشروع استهدف منع خطاب الكراهية عبر التصدي للأخبار المزيفة في طرابلس شمال البلاد.
إذ درب كلٌّ من عبيدة تكريتي ونور مللي 12 شابًّا من شتى الخلفيات الدينية والجنسيات على المهارات المتصلة بوسائل الإعلام والتماسك الاجتماعي. وبعد حضور التدريب، تمكن المشاركون الشباب من إطلاق ثلاث حملات إلكترونية.
وقال تكريتي عن حملة "أنت المدينة"، التي استهدفت تعزيز المواطنة وتشجيع النشاط المجتمعي: "نتيجة لوجود العديد من طبقات خطاب الكراهية والتمييز في المجتمع، فقد كانت إحدى حملاتنا تختص بعلاقة الناس بمدينتهم. ثم إن الكثير من الناس، ولا سيَّما الأجيال الأكبر سنًّا، يظنون أنهم يملكون المدينة ويديرونها ويجعلون الشباب يشعرون بأنهم ليسوا جزءًا من المجتمع وينبغي لهم إما الرحيل وإما البقاء داخل مجموعاتهم الصغيرة، وهذا خطأ ويخلق التوترات والاضطرابات".
وبشأن حملة "كن صديقي!"، فقد ركزت على توطيد القيم الأسرية وفتح المجال أمام الأمهات والبنات للتواصل، وهي مبنية على مبدأ أن الروابط الأسرية لها دور في إيجاد مجتمع آمن خالٍ من خطاب الكراهية.
وشرح تكريتي ذلك بقوله: "قد تبدو هذه المسألة سهلة أو أساسية، لكننا نؤمن بأنها إحدى القضايا الرئيسة في لبنان، وبخاصة في أجزاء المجتمع الأكثر تحفظًا".
أما الحملة الثالثة التي رمَت إلى زيادة الوعي لمحاربة الأخبار المزيفة، فقد قالت عنها مللي: "لقد أردنا أن نعزز الوعي بأهمية عدم عد أي خبر أمرًا مسلَّمًا به وممارسة التفكير النقدي بدلًا من ذلك".
وكان بناء القدرات عنصرًا رئيسًا في المشروع؛ إذ تعلم المشاركون العمل بمعزل عن المنظمين وتمكنوا من إدارة ورشة عمل ضمت 25 من الأمهات والبنات.
وختم تكريتي مداخلته فقال: "إننا نعطي هؤلاء الناس الكثير من المسؤولية؛ إذ إننا لا ندير الحملات إدارة فورية وهم مسؤولون عن تصوير المحتويات وإنتاجها والتفاعل مع الصحافة والمجتمع".
آفاق المستقبل
وقال حداد ختامًا إن مكافحة خطاب الكراهية ستظل موضوعًا رئيسًا في الجولات الجديدة من فرص دعم المشاريع الحوارية، و"إن قرابة 30% إلى 60% من المقترحات الجديدة تستهدف خطاب الكراهية وتأثيراته في الحوار الديني ووسائل التواصل الاجتماعي والأخبار. وفي هذا العام، فإننا سنركز أكثر على كيفية جمع منظمات المجتمع المدني ومؤسسات القيم الدينية وصانعي السياسات معًا. وإن أردنا أن نرى تغييرًا حقيقيًّا وأن نحدث فرقًا في هذه المنطقة، فعلينا أن نشرك صانعي السياسات والمؤسسات في ذلك".